فقدان الوطن بعد المحميات والمهاجر… مرة أخرى
مسألة الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين هي أولاً مسألة تتعلق بحقوق الإنسان. ونرى دولاً كثيرة تتشدق بحقوق الانسان لا تعطي أهمية لهذه الحقوق عندما يتعلق الأمر بها. وأما عندما يتعلق بدولة أخرى، فتكال الاتهامات من كل جانب.
وهذه هي سياسة الكيل بمكيالين التي تتمتع بها الدول ذات الحصانة في مجلس الأمن، وكأن منظار العدل يختلف بحسب زاوية الناظر الى من حوله.
ولو نظرنا الى كثير من القرارات الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، في إطار جامعة الدول العربية والمواثيق الدولية الخاصة المتعلقة باللاجئين والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لوجدنا ان القوى الداعية الى الديموقراطية في عالمنا العربي تسقط حق الفلسطينيين من اهتماماتها.
ويحلو لبعض الأطراف أن يصوروا التمييز القائم ضد الفلسطينيين على أنه من باب رفض “التوطين”، والرغبة في الحفاظ على حقوقهم السياسية في العودة الى فلسطين.
ومر خمـسون عـاماً على أمل العودة. لكن ما يدعو هؤلاء الى انتظاره هو مجرد أمل غير قابل للتحقيق، على الأقل في الظرف الراهن.
فإسرائيل لن تعيد هؤلاء اللاجئين لمجرد كونهم يعانون في المجتمعات العربية. بل لو استطاعت ان تقضي عليهم لاتخذت ما أمكن الى ذلك سبيلاً. وكأن بعض الأقطار ينفذ عن غير قصد أهداف اسرائيل. والى ذلك، أعطيت الجنسية العربية لبعض اللاجئين الفلسطينيين.
ومعظمهم من المسيحيين أو أصحاب الثروات. وأهم المسؤولين عن القضية الفلسطينية وحملة همومها، لما لهم علاقة وطيدة بأصحاب القرار تراهم يتمتعون بالجنسية العربية، على اختلاف ألوانها وأطيافها، هم وعائلاتهم. وهم يطالبون بعدم طمس الهوية الفلسطينية. فأي تناقض هذا الذي نعيشه؟
إن سياسة التمييز تضر بقضية اللاجئين، وتدفعهم الى الهجرة خارج المنطقة العربية. وقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في معدلات الهجرة بين الفلسطينيين طالبي اللجوء والباحثين عن الأمان في كندا واستراليا وألمانيا والدول الاسكندنافية وأميركا وبقية الدول الأوروبية.
والملاحظ أن السلطات العربية تبادر الى شطب هؤلاء من سجلاتها، وترفض تجديد وثائق سفرهم، وتدعوهم الى التنازل عنها، وإن أقرت لمواطنيها ازدواجية الجنسية. وهذا يعني اقتلاعاً مجدداً لهم من جذورهم، وفقداناً ثانياً للوطن، والتسليم بوجهة النظر الإسرائيلية.
وإبقاء القيود المفروضة على الفلسطينيين في الدول العربية، سواء من يعيش منهم في (محميات) مخيمات أو يعيش في غيرها، يظل العـائق الرئيس دون تحولهم الى مجموعة قادرة على تطوير طاقاتها الذاتية، الأمر الذي يحــد من قدرتـــها على لعـــب دور منتـــج وفاعل في المجتمع العربي.
وكما سبق وأثبت الفلسطينيون قدرتهم على ذلك، عندما أتــاحت بعــض الدول مــناخــات مواتــية لجــذب رؤوس أموالهم الباحثــة عن الأمــان بعــد حــرب حزيران (يونيو) 1967. وهذا انعكس إيجاباً عليهم، وعلى من أتاح لهــم ذلــك على حد واحد. وإلى ذلك، فــإنه ليــس في مصلحة الدول العربية، ولا في مصلحة السلام والاستقرار في المنــطقة، ان تحرك فئة مشاعر عميقة بالـظلم والتميــيز وعــدم العدالة.
وتوقع عودة مبكرة لفلسطينيي الشتات الى موطنهم الأصلي في المدى المنظور غير قائم. وهو ما تدركه القيادات العربية جيداً، وخصوصاً بعدما اختارت السلام استراتيجية تعمل من أجلها. ولكنها تفكر بمنطق الحفاظ على الحياة الفطرية داخل المحميات (المخيمات). والطرد الجمعي القسري للفلسطينيين ليس بالخيار المقبول انسانياً.
لذا تبنت بعض الدول العربية سياسة الطرد التدريجي، غير اللافت للنظر، ومنعتهم من زيارتها تخلصاً من تبعات إقامتهم وتكاثرهم. وكأن من يساعد فلسطينياً يخاف على ماله وأهله من الطرد من رحمة الغـرب، أو يوصـم بدعم الإرهاب.