سوداوية واكتئاب في دور النقاهة… والحيوية النفسية والجسدية حق وعلاج

سوداوية واكتئاب في دور النقاهة… والحيوية النفسية والجسدية حق وعلاج

ما هو شعور الأب، أو الأم، أو كبير السن، عندما يتذكر انه قام بواجبات أسرته خير قيام, ولكن ابناءه لم يقوموا بهذا الواجب, بل أودعوه مستشفى أو دار نقاهة, ثم لا يزورونه, ولا يسألون عنه؟

من دون شك سوف يقول في نفسه: هذا جزاء تعبي عليك، وسهري من أجلك وأنت صغير، لم أقصر بشيء، ولما كبرت وانتظرت منك البر والاحسان كان جزائي منك الجحود والصدود والنكران!

وطالما المرء يعلم ان الجزاء من جنس العمل، وما يفعله بوالديه اليوم سوف يفعله أولاده به غداً, فلماذا لا يتخيل مستقبله عندما يكون في الظروف نفسها؟ وعجبي لبعض الناس يترك للزوجة أن يكون لها موقف ضد والديه، سواء كان صغيراً أو كبيراً، وينسى واجباته الدينية تجاه والديه، ولا يأخذ على يديها, فإذا لم تقتنع بما هو واجب عليها, فلماذا ينسى حقوق والديه ويفضل حق الزوجة عليهما؟

والمفكرون، والكتّاب وخطباء المساجد والمعلمون والعلماء عليهم مسؤولية تبصير المجتمع بسلبيات عقوق الوالدين، وبيان فضل البر بالوالدين والاحسان اليهما، والى الارحام والأقارب عموماً.

وكثيراً ما نسمع عمن يذهب بأبيه ليرميه عند باب دار النقاهة.

ومن أسباب ذلك هو ما يمر به المجتمع من تغيرات وتحولات أحدثت تغييرات في بنية الأسرة، وفي وضع المرأة، وفي ظهور التحول من النمط البسيط الى الأنماط المعقدة وانخراط المرأة في ركب الحياة الاجتماعية العملية حتى أصبحت تقضي كثيراً من الوقت خارج البيت أو في العمل, الأمر الذي يجعلها تشعر بالاستياء إذا قامت بخدمة والد الزوج, أو والدته, بل وفي بعض الأحيان بخدمة أولادها.

وتشير بعض الدراسات في المجتمع السعودي الى ان الاحساس بالاكتئاب والحزن الشديد شعور طبيعي يحدث للمسنين، خصوصاً حين فقدهم أحباءهم كوفاة شريك الحياة، وما ينتج عن ذلك من وضع جديد.

وهذا الدور صعب وقاس، وغير مرغوب فيه، إذ يؤدي الى النظرة السوداوية. ويصبح الأولاد في مراكز اجتماعية أعلى من الوالدِين، فيتعالون عليهم. وقد يتنكرون لهم، ويتهربون من اصطحابـهم في المناسبـات الاجتماعيـة،

بل يزجـون بهم في دور النقـاهة للتخلص منهم، لما يصيـبهم من الحرج في اصطحابهم معهم في كثير المناسبات. ومن هنا يبرز دور كثير من الأمم المتقدمة لما تقوم به من رعاية خاصة لكبار السن.

وقد أدرك المسؤولون ان وجود أنواع من الرعاية النفسية والاجتماعية مرتبطة بالرعاية الصحية ارتباطاً وثيقاً. فلا يمكن توفير الصحة والحيوية والنشاط للمُسنّ، من خلال الاهتمام بصحة البدن فقط، بل لا بد أن يواكب ذلك رعاية نفسية واجتماعية.

وهناك بعض السلبيات في نظرة بعض الأبناء، وفي العادات والتقاليد، تحول دون دخول بعض المسنين دور الرعاية أو المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بهم، خوفاً من سوء السمعة.

ومن السلبيات أيضاً موقف المسن نفسه من دور الرعاية، لأنه يعني القطيعة الاجتماعية، والقطيعة من الجذور. وطالما ان المسن يعتز بكرامته، ولا يحب أن يظهر بمظهر الضعيف المضطهد، ووجوده في هذه الدار دليل عجز وضعف، لم يستمتع بوقت جميل في دور الرعاية.

ومن سلبيات المجتمع ونظرته الضيقة ما يتصوره عامة الناس – والمسنون خاصة – أن دور الرعاية هي سجن مؤبد، ونهاية للحياة. وسبب ذلك اقتصار برامج هذه المؤسسات على الرعاية الداخلية من دون إدماج روادها في المجتمع الخارجي. ويترتب عليه زيادة إحساس المسن بالعزلة والوحدة والاكتئاب.

وحق المسن على ولده واجب وعلى الدولة أوجب. فالمسن بات يعاني بين أحفاده وأبنائه لأنه يعيش وحيداً بعدما انفض الجميع من حوله. فلا رعاية ولا عناية به كما يجب.

وهنا نوجه صرخة نداء الى أصحاب القلوب الرحيمة لزيادة الاهتمام بمشاكل وهموم المسنين وتوفير الخدمات، والضمان الاجتماعي، واتاحة الفرصة لمن يستطيع أن يشارك منهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولا ننسى أن مبادئ حقوق الانسان أوجبت في تطبيقها رعاية المسنين قبل غيرهم. فلكل انسان الحق في مستوى معيشي ملائم لصحته ورفاهيته، بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن.

وهذا الحق يجب أن يقوم به الأبناء والأسر، والمؤسسات ودور الرعاية، والمجتمع عموماً. وهذا يتطلب مزيداً من البرامج الإعلامية والثقافية التي تهتم بطرح مثل هذه القضايا ومعالجتها، على أن يشترك فيها المسنون أصحاب الحق أنفسهم.

مصطفى غريب – الرياض

صحيفة   الحياة     2003/12/13