السلام والامن يحقق كل شيء والحرب والارهاب تدمر كل شيء
لقد أدرك معسكر السلام هذه الحقيقة بعد أن جرب شارون جميع الوسائل القمعية بحق الشعب الفلسطيني ودمر كل شيء ولم يحقق الامن والسلام لشعبه.
فبدأ يطلب المساعدة غير الرسمية من معسكر السلام في إسرائيل بعمل إتفاقيات غير رسمية والمسماة إتفاقية جنيف لتحل محل خارطة الطريق.
محاولا الهرب من تطبيق التزاماته بخارطة الطريق التي باركتها جميع القوى المحبة للسلام في العالم وإن كان فيها إجحافا بحق الفلسطينيين الا أنها تمثل منعطفا ونقطة تحول يجب الوقوف عندها طويلا ولاسيما أن العالم الإسلامي يمر أيضا بمرحلة من التحولات حتى في أبسط المفاهيم والتصورات.
فالإرهاب أصبح هو الشماعة التي تعلق عليها الاخطاء حتى تضرر العمل الخيري لأن كثيراً من التجار وأهل الخير أحجم عن التبرعات وعمل الخير مخافة أن يؤول المال إلى الإرهابيين أو ينعت بأنه يمول إرهابيين وهنا تضرر كثيراً من المستحقين.
وظهر علينا الخوارج الذي أدرك الامام علي كرم الله وجهه خطرهم فنصح بعدم مجادلتهم بالقرآن إذ قال: لا تجادلهم بالقرآن فإنه حمال أوجه.
لأن فكر الخوارج ومذهبهم معروف في التكفير بالمعاصي وتكفير المسلمين والتساهل في سفك الدماء، ولكن خوارج هذا القرن كيف ومتى ظهروا ففي الغالب برزت هذه الفئة كنتيجة لما أسفرت عنه الحرب الافغانية في وقت الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي.
وتكونت هناك تنظيمات على أرض أفغانستان في مطلع التسعينيات، وإختلطت الافكار الاسلامية المختلفة من سنة وشيعة ورافضة وخوارج وصوفية والعديد من الفرق الاسلامية التي أخبر عنها الرسول ووصفها ببضع وسبعون فرقة.
وعادت هذه الفرق الى بلدانهم العربية وغير العربية، وانقسموا بين تيارين كبيرين، أحدهما تيار رضي بالانخراط في المجتمع بصورة طبيعية وساهموا في التنمية أما التيار الآخر إعتبر أن إسقاط الاتحاد السوفيتي فاتحة خير ومرحلة أولى في حد ذاتها.
وأن المرحلة الثانية هي في الجهاد لتغيير المجتمعات عبر العنف المباشر، وتحويلها إلى بيئة ينمو فيها العنف والقتال وخاصة البلدان العربية والاسلامية التي لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة لتبرر العمل على إسقاط الأنظمة بالعنف.
وبدأوا يخططون حتى ظهرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وزوال البرجين في نيويورك وبدأت المصالح تتقاطع مع مصالح اليهود الذين يكيدون للعرب والمسلمين وكان من نتائج ذلك غزو أفغانستان من جديد.
وكما يقول المثل العامي كأنك يا أبوزيد ما غزيت وبعد كل هذه السنوات نشأت أفكار جديدة تدعوا الى تأسيس نهج تربوي لكافة الشرائح في المجتمع.
لنعترف بالخطأ وأن تكون لدينا الشجاعة الادبية للتراجع عن هذا الخطأ حتى لاتظهر جماعات محلية في كل دول العالم على طريقة إن المصائب تجمعن المصابينا.
فتتحد جماعة إرهابية مع أفكار جماعة إرهابية أخرى لتقوم نيابة عنها بتنفيذ أفكارها لإحداث تفجيرات جديدة هنا وهناك لذا ينبغي التضامن الكامل بين جميع دول العالم لمحاربة الافكار المتطرفة حتى لا تظهر من جديد.
وأن نحاول إصلاح علاقاتنا مع باقي الامم حتى لاتكون حربا شاملة باسم محاربة الإرهاب ثم تتحول الى حروب احتلال وإذلال ومصادرة للقرار وتثبيت لأركان الظلم والخوف والعبودية.
وإن العالم اليوم يمر بمرحلة عصيبة تتطلب مراجعة للنفس ودراسة ما يمر به من مشاكل والاعتراف بالخطأ وإزالة آثار الظلم الواقع على بعض الشعوب وبعض الفئات، بل على الإنسان في كل مكان.
وهو سر تلك الحلقة المفقودة في النزاع الأبدي بين الحق والباطل وهذا الانسان الذي ينبغي أن تحترم حقوقه في التفكير والعمل والإبداع والحرية حتى لا يتحول إلى وحش كاسر.
أو مجرد إنسان سهل الانقياد والتجنيد في مهمات إنتحارية خاسرة ولايتمتع بالمشاركة الايجابية في التعبير عن وجهة نظرة وتحقيق مطالبه وبهذا يتأكد بأن العالم الاسلامي يقابل تحديات كبيرة تحتاج الى قادة عظام ليواجهوا شعوبهم بالصراحة والشفافية وأن يكونوا واضحين بكلمة الحق.
ولابد أن نحارب الممارسات الارهابية الفكرية الهائلة والتي تأسست على مدار نحو ثلاثة عقود مضت نشأ خلالها السلوك الإرهابي وترعرع وكان نتيجة حتمية للفكر الإرهابي التفجيرات في كل مكان سواء في الشرق أم في الغرب ومع الاسف أن هذا الفكر مارس وما زال يمارس دوره في المجتمع.
ونتيجة لما يتمتع به من حصانة أشبه بالحصانة الدبلوماسية، بل اشد فهي حصانة بإسم الدين التي غالبا ما يدعمها المجتمع المسالم الذي يحاول أن يطبق قاعدة لا أسمع لا أرى لا أتكلم.
فهو لا يريد أن يسمع رأيا آخر ولايريد أن يتكلم كلمة الحق التي لا يخشى بها لومة لائم ولا يريد أن يرى أخطائه من الأقوال والأفعال التي ولدت من رحم هذه المدرسة الفكرية المتطرفة وراح ضحيتها فئة كبيرة بعيداً عن الإحساس المبكر بخطورة الدخول في هذا النفق.
وبأن مثل هذا المدخل لم ولن يكون مدخل أي حل أو أي تغييرٍ منشود وأن حل المشكلة من جذورها يتطلب منظومةً متكاملة من العمل السياسي، والاجتماعي والثقافي والإعلامي.
كالذي تقوم به مؤسسة الفكر العربي عبر مؤتمراتها لتحقق نجاحا باهرا في محاربتة الإرهاب الذي ينبغي أن يحارب بشتى الوسائل وأهمهما الامنية والفكرية فجميع أفراد المجتمع عليهم مسؤولية تضامنية كل في مجاله وأن نتراجع عن السلبية وعدم التفاعل مع الاجهزة الامنية والمعتقدات الفكرية غير الايجابية حتى لا نجني وزر تنامي سلبيات المعتقدات الفكرية والممارسات البدعية والتجاوزات الشرعية.
وأن نعمل على تقوية وتهيئة قنوات التعبير السلمي عن الحقوق والواجبات ورد المظالم وحماية الحريات المشروعة كل ذلك يولد مناخاً إجتماعيا عالميا سليما يقضي على المخاطر بكل أشكالها.
كما ينبغي أيضا أن نطلب من الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا إجتنابه حتى لا تسود لغة التعالي والاستكبار من أشخاص أو دول لتقهر الحريات والشعوب أو إحتوائها واحتلالها، أو استفزازها وتدمير مصلحتها.
كل ذلك يولد من العناصر المضادة وما لا يمكن تصور أثره وأبعاده، والقتل الأعمى لا يولد استسلاماً كما أن الإرهاب لا يولد سلاماً… بل يقتله… والعنف لا يحقق أمناً، بل يلغيه.
والسلام والامن يحقق كل شيء والحرب والارهاب تدمر كل شيء.
مصطفى غريب – الرياض
مجلة فلسطين الاربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2003